الانتخابات في الدوائر: من يكسب؟!

بعد ما يقارب الربع قرن من الزمان تعود الساحة السياسية السودانية لتشهد تنافساً انتخابياً عبر انتخابات تعددية تختلف عن سابقتها بعد تبدل وتغيير العديد من التوازنات والتركيبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ولعل ابرز التحولات ستظهر بوضوح في انتخابات الدوائر الجغرافية التي ظلت لفترات زمنية تاريخية مرتبطة بشكل وثيق بحزبي الامة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي وثمة امر مؤكد بأن تحولات طالت مناطق النفوذ التاريخي لكلا الحزبين وهو ما ظهر في انتخابات 1986م حينما نجحت الجبهة الإسلامية القومية في تحقيق الفوز في عدد من المراكز الانتخابية التي كانت تصنف ضمن المناطق الخاضعة لنفوذ الحزبين، مع ضرورة استصحاب معطي اخر متصل بوجود حزب المؤتمر الوطني على سدة السلطة طوال العقيدين الاخرين الامر الذي اتاح له الوجود والتمدد في كل اتجاهات السودان بما في ذلك معاقل الحزبين التاريخيين.

صراع الخرطوم

نجد أن بعض الدوائر الانتخابية بولاية الخرطوم ستشهد تنافساً محموماً بين عدد من القيادات الحزبية ففي الدائرة (31) الكلاكلات يخوض غمار التنافس القيادي بحزب المؤتمر الوطني الحاج عطا المنان في مواجهة القيادي بحزب المؤتمر الشعبي ابراهيم السنوسي أما الدائرة (34) النصر الجنوبية تجدد مواجهة انتخابية بين الوطني والشعبي طرفيها وزير الدولة بالخارجية الاسبق قبريال رويج وعضو الهيئة القيادية لحزب المؤتمر الشعبي د. محمد الامين الخليفة.

أما في دوائر محلية امدرمان فستكون الدائرة الاولي القومية –التي اخلاها حزب المؤتمر الوطني لحليفه حزب الامة الذي يقوده مستشار رئيس الجمهورية د.الصادق الهادي المهدي- فستكون مسرحاً لتنافس بينه وكل من القيادية بالحزب الاتحادي الموحد نجلة الزعيم اسماعيل الازهري –جلاء- التي تخوض لأول مرة غمار الانتخابات البرلمانية بجانب رئيس كتلة التجمع البرلمانية والقيادي بالحزب الاتحادي الاصل حسن ابوسبيب والقيادي بحزب التحالف الوطني السوداني مالك منصور.اما الدائرة الثانية امدرمان وسط فسيكون ابرز طرفيها مسؤول الإعلام بحزب المؤتمر الوطني فتحي شيلا وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والناطق الرسمي باسم كتلة التجمع والحزب بالمجلس الوطني سليمان حامد الحاج.

ورغم أن حزب المؤتمر الوطني تنازل عن الدائرة الثالثة امدرمان وسط لصالح مرشح الاخوان المسلمين د.الحبر يوسف نور الدائم فإنه سيواجه منافسة شديدة من قبل القيادي بالمؤتمر الشعبي ابوبكر عبد الرازق المحامي، أما مرشح الدائرة (13) الثورة الغربية فإن رئيس حزب الامة الوطني عبد الله مسار مواجه بعدد من المنافسين وصحيح أن لا يوجد من بينهم مرشح من حزب المؤتمر الوطني بعد تنازله عنها ولكن من قبل رئيس تحرير صحيفة (الأهرام اليوم) الهندي عز الدين الذي يخوض الانتخابات كمستقل بجانب القيادي بحزب المؤتمر الشعبي عبد الله شمار، فيما ستشهد الدائرة (14) منافسة بين القياديين في المؤتمرين الوطني والشعبي، عباس الفادني ود.بشير ادم رحمة، وفي الدائرة السادسة "الامير الثانية" يواجه نائب رئيس حزب الامة القومي اللواء متقاعد فضل لله برمة ناصر معتمد امدرمان الاسبق الفاتح عزالدين، أما في دوائر بحري وشرق النيل فستشهد الدائرة (18) الحلفايا تنافساً بين القياديان بحزبي المؤتمر الوطني والشعبي البرفسور ابراهيم غندور وابراهيم عبد الحفيظ، بالاضافة لرئيس الدائرة السياسية بحزب التحالف الوطني السوداني المهندس محمد فاروق.

نجوم القوائم

وحظيت القوائم الحزبية للاحزاب بولاية الخرطوم بعدد من نجوم الاحزاب كان ابرزهم نائب رئيس الجمهورية على عثمان محمد والامين العام لحزب المؤتمر الشعبي د.حسن الترابي واللذان تصدرا اسماء مرشحي حزبيهما للقائمة الحزبية بولاية الخرطوم، فيما ضمت القائمة النسوية اسماء العديد من النساء القياديات فالوطني تصدرت قائمته (سعاد الفاتح البدوي، رجاء حسن خليفة وبدرية سليمان) اما الشعبي فحلت وصال الصديق المهدي في المرتبة الثالثة، وتصدرت وزيرة الصحة د.تابينا بطرس القائمة النسوية للحركة الشعبية في ما تصدر القائمة الحزبية للحركة بولاية الخرطوم ياسر جعفر، اما الاتحادي الاصل فتصدر قائمته الحزبية احمد على ابوبكر والنسوية سميرة حسن مهدي، اما الحزب الشيوعي السوداني فتصدر قائمته الحزبية النقيب السابق لاساتذة جامعة الخرطوم بابكر احمد الحسن مصطفي أما قائمته النسوية فتصدرتها إحلام ناصر الوقيع، اما القائمة الحزبية لحزب الامة القومي فتصدرها البرفسور الشيخ محجوب جعفر في ما تصدرت القائمة النسوية للحزب انصاف جاد الله محمد وحلت رباح الصادق المهدي ثالثة فيها.

صراع الوجود

وستشهد عدد من الدوائر الانتخابية بولايتي نهر النيل والشمالية تنافس محموم بين المرشحين لكن الملاحظ أن التنافس بجل دوائر نهر النيل يعد تنافس وجود بين حزبي المؤتمر الوطني والاتحادي الاصل حيث أن كلا الحزبين يعتبر الولاية منطقة نفوذ مقفولة له، مع وجود استثناء في دائرة الدامر الغربية التي ستشهد مواجهة بين (اخوان الامس) في الحركة الاسلامية حيث سيواجه وزير الطاقة والقيادي بحزب المؤتمر الوطني الزبير احمد الحسن منافسة شرسة من نائب الامين العام للمؤتمر الشعبي عبد الله حسن احمد.

إعادة منافسة

وستشهد دائرة شندي الشمالية منافسة حامية الوطيس إذا يخوض نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب د.نافع على نافع مواجهة انتخابية صعبة وشرسة وصعبة ضد عدد من منافسيه ابرزهم مرشح الحزب الاتحادي الاصل محمد عبد الله عشرة.

ورغم مرور حوالي ربع قرن من الزمان ولكن دائرة شندي الجنوبية تشهد تجديد المواجهة الانتخابية التي جرت فيها في عام 1986م بين مرشح المؤتمر الوطني على كرتي ومنافسه عن الحزب الاتحادي الاصل عثمان على حميد وفي تلك الانتخابات تمكن الثاني من الفوز على الاول والظفر بمقعد الدائرة، اما دائرة المتمة فيخوض التنافس فيها عبد الحكم طيفور عن حزب المؤتمر الوطني وينافسه القيادي بالطريقة الختمية صلاح سرالختم ولعل مصدر التنافس في هذه الدائرة يتمثل في فوز الاول بها في انتخابات 1986م باسم الحزب الاتحادي الديمقراطي قبل أن يتحول لحزب المؤتمر الوطني.

وطالما أننا تطرقنا للاعادة المواجهات الانتخابية فلا بأس أن نشير لتجدد منازلة بين رجلين وهما مرشح المؤتمر الوطني البرفسور الزبير بشير طه ومنافسه د. مالك حسين اذ سبق للثاني الفوز على الاول في انتخابات المجلس الوطني التي اجريت في عام 1996م. 

نشرت هذه المادة بمجلة (الخرطوم الجديدة) في عددها الصادر في شهر مارس 2010م.

تنافس الشمالية

اما في الولاية الشمالية فسنجد أن مستشار رئيس الجمهورية د.مصطفي عثمان اسماعيل سيواجه خلال خوضه الانتخابات بدائرة القولد منافسة من رئيس الهيئة المركزية لحزب الامة القومي على قيلوب المحامي، أما مروي فستشهد منافسة شديدة بين مرشح المؤتمر الوطني ومدير جهاز الأمن والمخابرات السابق ومستشار الرئيس للشؤون الامنية الفريق اول صلاح عبد الله قوش ولعل ابرز منافسيه في الدائرة هو مرشح الحزب الاتحادي الاصل عبد الحكم محمد احمد ابراهيم والذي هو في ذات الوقت شقيق مشرف الطريقة الختمية بالمنطقة، اما دائرة ابوحمد فسيكون عامل الاثارة فيها اكبر ويعود ذلك إلي أن ابرز المتنافسين فيها مرتبطان بالمؤتمر الاول وهما مرشح الحزب ورجل الاعمال محمد احمد البرجوب والمرشح المستقل وعضو مجلس قيادة ثورة الانقاذ صلاح كرار.

التنافس بالجزيرة

وعلى مستوي الدوائر الجغرافية تعتبر ابرز الدوائر التي ستشهد تنافساً بولاىة الجزيرة هي دائرة مدني رفاعة الجنوبية التي يتنافس فيها كل من القيادي بحزب الامة القومي د.ابراهيم الامين ورئيس حزب الامة الاصلاح والتنمية ووزير الاعلام الزهاوي ابراهيم مالك، ومحور الصراع الاساسي في تلك الدائرة مرتبط بالصراع الحزبي داخل حزب الامة الذي يعتبر الزهاوي ابرز صانعيه.

ابناء قيادات في المضمار

ويخوض عدد من ابناء وبنات القيادات السياسية الحزبية الانتخابات القادمة كمرشحين في الدوائر الجغرافية حيث تحوض د. مريم الصادق المهدي الانتخابات في الدائرة (11) الريف الغربي بامدرمان، عصام حسن الترابي في الدائرة (26) ابودليق بشرق النيل.

ويخوض (3) من ابناء رئيس حزب الامة القومي الامام الصادق المهدي الانتخابات بدوائر ولاية النيل الابيض فصديق الصادق المهدي يخوضها في دائرة ام رمتة بولاية النيل الابيض وعبد الرحمن الصادق في دائرة السلام بولاية النيل الابيض، بالاضافة لشقيقهم محمد احمد الصادق المهدي.

مناطق مقفولة

ومنذ اول انتخابات نظمت في البلاد في عام 1953م فقد شهدت سيطرة عدد من الاحزاب على جل أو معظم دوائر بعض الاقاليم مع وجود اقاليم شهدت حالة هبوط وصعود في سيطرة احد الاحزاب على مقاعد الاقليم في انتخابات مجلس النواب ويظهر الجدول التالي عدد المقاعد التي احرزتها الاحزاب التي نالت اغلبية مقاعد الاقاليم في اول انتخابات تعددية اجريت في السودان في 1953م. 

* المستقلون لم يترشحوا تحت راية أي حزب من الاحزاب السياسية.

وشهدت الانتخابات التي تليها حفاظ عدد من الاحزاب على سيطرتها على دوائر الاقاليم، إلا أن الحزب الوطني الاتحادي تأثرت عدد من دوائره بسبب انقسام طائفة الختمية عنه وتكوينهم لحزب خاص بهم تحت مسمي (حزب الشعب الديمقراطي) وهو ما اثر على مقاعده في اقليمي الشمالية وكسلا اما في الجنوب فقد ظهر على المسرح السياسي حزب الاحرار، ويمكن الاشارة هنا لحدوث تبادل في الاغلبية في اقليمي النيل الازرق وكردفان مقارنة بنتائج انتخابات 1953م بين حزبي الامة والوطني الاتحادي. ويظهر الجدول التالي عدد المقاعد التي احرزتها الاحزاب التي نالت اغلبية مقاعد الاقاليم في انتخابات 1958م.    

وفي اعقاب ثورة اكتوبر 1964م نظمت انتخابات 1965م ومن الضرورة الاشارة هنا لتنظيمها على مرحلتين الاولي بالشمال وبعد عدة اشهر نظمت بحنوب السودان ولكن لم توضح النتائج النهائية للانتخابات الجنوب الاتجاهات السياسية للمرشحين الفائزين، الأمر الثاني خلال تلك الانتخابات هو مقاطعة حزب الشعب الديمقراطي لها أما ابرز معطيات تلك الانتخابات فهو مشاركة الحركات السياسية الاقليمية المطلبية فيها وحصولها على مقاعد في مجلس النواب. ويظهر الجدول التالي عدد المقاعد التي احرزتها الاحزاب التي نالت اغلبية مقاعد الاقاليم في انتخابات 1964م.

* اخلى حزب الامة عدد من الدوائر بشرق السودان لصالح مؤتمر البجا.

اما انتخابات 1968م فاجريت في ظل تحوليين اساسيين اولهما إعادة توحيد الحزب الوطني الاتحادي وحزب الشعب الديمقراطي مجدداً تحت مسمي (الحزب الاتحادي الديمقراطي) أما الأمر الثاني فكان انقسام حزب الامة بين التيار الداعم للامام الهادي المهدي وثاني يقوده ابن اخيه الصادق المهدي مع ظهور تيار ثالث محياد لا يدعم أي من الطرفين خاص الانتخابات تحت مسمي (حزب الامة).

تلك المعطيات كان لديها تاثيرها على حصد الاحزاب لاغلبية مقاعدها. ويظهر الجدول التالي عدد المقاعد التي احرزتها الاحزاب التي نالت اغلبية مقاعد الاقاليم في انتخابات 1968م.

* احرز حزب الامة جناح الامام مقعد واحد في الاستوائية في ما نال حزب الامة –المحايد في الصراع بين جناحي  الامام والصادق- ثلاث مقاعد وبذلك يكون مجموع مقاعد اجنحة الامة الثلاثة في الاستوائية (10) مقاعد.

أما انتخابات 1986م فكان ابرز ملامحها ظاهرة تعدد المرشحين خاصة في الحزب الاتحادي الديمقراطي مما ادي لمنح الجبهة الإسلامية القومية اغلبية مقاعد الخرطوم، أما الامر الثاني فكان عدم اقامة الانتخابات في اجزاء واسعة بجنوب السودان حيث اجريت في (19) دائرة بالاستوائية و(3) دوائر ببحر الغزال ووخمس دوائر باعالي النيل ويظهر الجدول التالي عدد المقاعد التي احرزتها الاحزاب التي نالت اغلبية مقاعد الاقاليم في انتخابات 1986م.