الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

أثر تغير المناخ على حوض النيل

أسماء نصّار
من جفاف جداول المياه في أوغندا إلى بؤس مزارعي الأرز في دلتا النيل في مصر، خلَّف تغير المناخ آثارًا وخيمةً على بلدان حوض النيل.
6.12.2018  |  القاهرة، مصر
الأحوال الجوية القاسية: قحط مهلك أو فيضان مدمّر. (الصورة: النيلان | نيك لنيرت)
الأحوال الجوية القاسية: قحط مهلك أو فيضان مدمّر. (الصورة: النيلان | نيك لنيرت)

تغير المناخ وتزايد الأنشطة البشرية على طول نهر النيل يهددان هذا المصدر المستدام للحياة.

بحلول عام 2050، سيصل عدد سكان البلدان التي يتدفق فيها نهر النيل وروافده إلى زهاء مليار نسمة، وهذا وحده كفيل بفرض ضغوط هائلة على إمدادات المياه.

وتواجه الحكومات تحديات في توفير مصادر الغذاء في منطقة يعتمد فيها الاقتصاد وحياة الناس على الزراعة وتربية الماشية وصيد الأسماك، ناهيك عن أن الطاقة الهيدروليكية هي المصدر الرئيس للتنمية.

فأوغندا مثلًا، غنية بالمسطحات المائية الطبيعية، وتضطلع مصايد الأسماك بدورٍ مهمٍ جدًا كأساس لتأمين القوت وسبل العيش. وتُعد بحيرة فيكتوريا أكبر مصائد الأسماك الوطنية وأهمها من الناحية الاقتصادية، وإنْ كانت البحيرات الكبرى الأخرى، ومنها جورج وإدوارد وألبرت وكيوغا إلى جانب نهر النيل وعدد كبير من المستنقعات والجداول المتنوعة، تسهم أيضًا بدرجة كبيرة في ناتج الصيد القومي السنوي الذي يشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

تقدم نماذج الاحتباس الحراري صورًا متباينة عن تدفقات المياه المستقبلية في نهر النيل.

أما في جنوب السودان، فيُستخدَم النيل كوسيلة أساسية لنقل السلع والمسافرين في نهري بحر الجبل وبحر الغزال. وفي إثيوبيا ذات أكبر عدد من الروافد، يظل النيل الأزرق أكبر مصدر للطاقة الكهرومائية. وفي مصر، تتشكل أساسًا الحياة اليومية والتنمية اعتمادًا على النيل، وهو الشريان الذي يمد البلاد بأسباب الحياة.

يتفق العلماء على أننا نكاد نفقد القدرة على التنبؤ بحالة نهر النيل. فتغير المناخ جراء الاحتباس الحراري العالمي بفعل تراكم الكربون في الغلاف الجوي يعني سقوط مزيد من الأمطار وتدفقها في الجداول التي تغذي شبكة نهر النيل.

كما تتنبأ عمليات المحاكاة الحاسوبية المنشورة في مجلة Nature Climate Change بأنه إذا بقي "الوضع السيء على ما هو عليه" والذي يواصل فيه البشر استغلال الوقود الأحفوري، سيتدنى فعليًا عدد السنوات "الطبيعية" ويزيد عدد السنوات التي تحدث فيها فيضانات مدمرة أو قحط مهلك.

وقد تتفاوت شدة العواقب بين بلد وآخر حسب حجم أنشطته الاقتصادية المعتمدة على المياه كتوليد الطاقة والزراعة وتربية المواشي وصيد الأسماك. وكلما تنوعت هذه الأنشطة في البلاد، تضاءل أثر التغيرات المناخية.


شح المياه

إن عدد البلدان التي يمر فيها حوض النيل أكبر منه في أي حوض آخر في أفريقيا، وقد تفضي التغييرات في توقيت جريان المياه ووفرتها في ظل تغير المناخ إلى زيادة التوتر وانعدام الأمن ومشاكل في الإدارة.

وتقدم نماذج الاحتباس الحراري صورًا متباينة عن تدفقات المياه المستقبلية في نهر النيل، حيث تتراوح بين زيادة بنسبة 30 في المئة إلى انخفاض بنسبة 78 في المئة.

وتشكل دلتا النيل الامتداد الأخير للنهر، وهي مساحات خضراء من التربة الخصبة والمزارع ومجموعة بلدات ومدن يتفرع فيها النهر ويصب في البحر الأبيض المتوسط. دلتا النيل من أكبر دلتا الأنهار في العالم، ويقطنها نحو نصف سكان مصر.

ويُرجح أن يتزايد في منطقة الدلتا تسرب المياه المالحة إلى مصادر المياه العذبة الساحلية (ومنها المياه الجوفية) جراء ارتفاع منسوب سطح البحر بسبب الاحتباس الحراري، ما قد يحد من كميات المياه العذبة المتوفرة، وفقًا للصندوق العالمي للطبيعة الذي يقول في تقرير له: "ربما يجعل التغير المناخي مصر أكثر جفافًا وأشد حرارةً، ما يزيد من اعتمادها على الري. وفي ظل الطلب البشري المرتفع والمتنامي على المياه والزراعات التي تستخدم كميات كبيرة منها على ضفتي نهر النيل، يغدو لتضاؤل تدفق المياه بفعل تغير المناخ أثر كارثي".

بحسب حسين غادين ممثل منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في مصر، تُعد مصر الآن إحدى أكبر مستوردي الحبوب في العالم، إذ بلغ إجمالي وارداتها من القمح والذرة والبذور الزيتية في العام الفائت "أكثر من 24 مليون طن. ويُتوقع أن ترتفع بسبب الزيادة السكانية ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة وكذلك الموارد المائية".

يقول أحمد عبد المنعم وآخرون معه من سكان البحيرة وكفر الشيخ في دلتا النيل إنهم لاحظوا نقص المياه في السنوات الأخيرة وأحسوا بآثاره. وأضافوا أن ذلك بات جليًا عندما فرضت الحكومة إعادة تدوير مياه الري، فضلًا عن قانون الحكومة للحد من المزارع السمكية في شمالي مصر.

لكن لا تقتصر مشكلة المياه على كمياتها، بل زاد باطراد تلوث المياه المتاحة في مصر بالنفايات الزراعية والسكنية غير المعالجة. وبوجود هذه العوامل مجتمعة، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى حصول نقص كبير في المياه بمصر بحلول عام 2025.


تحسين صمود الأحواض في وجه الكوارث

تأسست مبادرة حوض النيل في 22 فبراير 1999 لتوفير منتدى للتشاور بين دول الحوض والتنسيق بينها من أجل إدارة موارده المائية وتنميتها بصورة مستدامة، بما يعود بالفوائد على الجميع.

تعترف دول حوض النيل بالحاجة الملحة إلى تنفيذ تدابير تكيف فعالة تأخذ في الاعتبار ظروف الحوض كاملًا.“

ومبادرة حوض النيل اليوم هي شراكة بين حكومات عشرة بلدان في حوض النيل، هي بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومصر وإثيوبيا وكينيا ورواندا وجنوب السودان والسودان وتنزانيا وأوغندا، كما تشارك إريتريا كمراقب.

وتوفر "استراتيجية مبادرة حوض النيل 2017-2027" توجهًا طويل الأمد لـلمبادرة، وتحدد أهدافها، وتبين بالتفصيل مساهمتها وسبل تعزيز المبادرة من أجل تنفيذ مهامها بكفاءة وفاعلية.

وتسلط الاستراتيجية الضوء على ستة أهداف تسهم في التصدي لتحديات التنمية الرئيسة في حوض النيل. ومن هذه الأهداف "تحسين صمود الأحواض في وجه آثار تغير المناخ".
وحسبما جاء في ورقة الاستراتيجية: "تعترف دول حوض النيل بالحاجة الملحة إلى تنفيذ تدابير تكيف فعالة تأخذ في الاعتبار ظروف الحوض كاملًا نظرًا إلى أن آثار تغير المناخ ذات طبيعة إقليمية والحلول لمواجهة الآثار في بلد ما يمكن أن تكمن في بلد آخر".

وتعزيزًا للبحث عن حلول إقليمية لآثار تغير المناخ، تخطط المبادرة مثلًا لتوفير خدمة المعلومات المناخية وضمان استمراريتها، ودعم الدراسات المشتركة، ووضع خطط لتدخلات تتصدى لأثر المناخ وتنفيذها، وتحسين أطر السياسات والتخطيط الإقليمية وتعزيزها للتكيف بفاعلية مع تغير المناخ على المستويين الإقليمي والوطني.

تُجدر الإشارة إلى أن تغير المناخ ليس سوى واحدًا من تحديات عديدة تقتضي مزيدًا من التعاون على مستوى الحوض. وتحتاج بلدان حوض النيل إلى الاستعداد للآثار السلبية المحتملة لتغير المناخ بوضع استراتيجيات مشتركة للتهيؤ للتغير المناخي والتصدي له رغم أن مساهمة هذه البلدان فيه لا تكاد تُذكر.

هذا التقرير يقع ضمن ملف:
لا يسقط المطر على سقف واحد فقط
جميع مواضيعنا متوفرة لإعادة النشر. نرجو الاتصال بنا عبر عنوان بريدنا الالكتروني عند إعادة نشر تقاريرنا، صورنا أو أفلامنا.