غادر كينيي ياسين عبد الله جنوب السودان وعمره أربع سنوات، وأمضى طفولته في مخيم للاجئين في أوغندا. يبلغ كينيي الآن من العمر 31 عاماً، وهو ينظر إلى ما مضى وكيف اهتزت حياته بفعل الاضطرابات في بلده قائلاً: ”حياة الغربة ليست جيدة“.
”حياة الغربة ليست جيدة“ غادر أسرة كينيي منزلها في كاتير تاركةً وراءها الكهرباء والماء والقدرة على الحصول على الطعام بصورة مضمونة. أما الحياة في المخيم فكانت مختلفة تماماً، إذ يقول كينيي: ”درسنا في مدارس ابتدائية معظم من فيها لا يملكون ملابس أو أحذية“، مضيفاً بأن الأمر استغرق خمس سنوات حتى تحسنت ظروف المخيم.
أكمل كينيي تعليمه الابتدائي والثانوي في المخيم دون أن يُسمح له بالتنقل خارجه بحرية أو بالعيش كمواطن عادي. ويقول: ”يُحرم المرء من العمل، ولا يمكنه الدراسة إلا إذا رعاه أحدهم مالياً“.
”درسنا في مدارس ابتدائية معظم من فيها لا يملكون ملابس أو أحذية“
ويؤكد كينيي بأن قيوداً فرضت على تنقل اللاجئين وسفرهم، ولم يسمح لهم بالحصول على الجنسية الأوغندية، ما دفع كثيرين منهم لمحاولة مغادرة أفريقيا والتوجه نحو الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا وكندا.
ولد كينيي عام 1983 في قرية كاتير بولاية شرق الاستوائية مع بدء المرحلة الثانية من الحرب الأهلية، وعاد إلى جنوب السودان بعد أن أمضى 17 عاماً في الغربة. وقد بقي متمسكاً بأمل عودة السلام إلى بلده، ثم عاد إليه عندما وقّعت الخرطوم مع الحركة والجيش الشعبيين لتحرير السودان اتفاق السلام الشامل. إلا أن عودته التي طال انتظاره لها تحولت إلى كفاح في سبيل تغطية نفقاته.
لم يتم كينيي دراسته، ما منعه من تحقيق حلمه في دراسة القانون. وعندما وصل إلى جوبا، عمل في بادئ الأمر معلماً في مدرسة ابتدائية فيها. ثم وفر له جنوب السودان منحة للدراسة في جامعة القاهرة بمصر. إلا أنه ككثيرين من أقرانه الذين درسوا في شرق أفريقيا واجه أيضاً عائق اللغة لأنه كان قد تعلم باللغة الإنجليزية وليس العربية.
وأخيراً، انتقل إلى الخرطوم عام 2009 ليلتحق بجامعة جوبا ويداوم على الدراسة بكلية الحقوق التي تدرس مناهجها باللغة الانجليزية. وقد توقفت دراسته بسبب استفتاء جنوب السودان عام 2011 عندما أغلقت الجامعة أبوابها.
وكانت الجامعات عموماً تكافح من أجل توفير التعليم بعد عقود من الحرب. وواجه الطلاب عقبات عدم كفاية التعليم وعدم وجود مكتبات وكتب. كما استمرت خلال ذلك النزاعات بين بعض المجموعات العرقية.
لم يلتزم كينيي الذي أصبح الآن في العقد الرابع من العمر بتقاليد جنوب السودان بأن يتزوج في سن مبكرة.
”جنوب السودان قائم على أسس قبلية، والناس يعطون الأفضلية لقبائلهم“
وهو يقول عن ذلك: ”أنوي الزواج بعد استكمال تعليمي الجامعي. فأنا أرغب في الحصول على وظيفة كي أوفر لأبنائي حياة كريمة“.
لكن آماله في الحصول على وظيفة وإتمام دراسته تعرقلت بفعل اضطرابات تهز البلاد منذ ديسمبر الماضي مؤذية مواطنيها ومعطلة اقتصادها الوليد. لم يُفاجأ كينيي بالأزمة الأخيرة التي قتلت آلاف المواطنين ”فجنوب السودان قائم على أسس قبلية، والناس يعطون الأفضلية لقبائلهم. وهذه الحرب درس لنا، إذ يتعين علينا وضع دستور قائم على الشعب“.
”أعتقد أننا إذا أردنا الاستقرار لجنوب السودان فعلينا أولاً البدء بالقضاء وجعله لا مركزياً“ وهو يأمل بإجراء عملية إصلاح واسع النطاق: ”أعتقد أننا إذا أردنا الاستقرار لجنوب السودان فعلينا أولاً البدء بالقضاء وجعله لا مركزياً. وينبغي أن تتم الانتخابات البرلمانية بالتصويت وليس بالتعيين كما هو الحال عليه. كما يجب ألا يتمتع الرئيس بصلاحيات مفرطة“.
وعلى الرغم من الاضطرابات، فهو سعيد بتصويته لصالح الانفصال ولم يندم على ذلك. ويختتم قائلاً: ”لكني لست سعيداً بالطريقة الحالية لإدارة البلاد. يجب أن يُدار جنوب السودان بما يفيد جميع مواطنيه دون أي تهميش“.