الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

’شارع السودانيين‘

MiCT | النيلان
1443 كيلومتراً | محمد حسن حمدان سوداني يعيش في الشارع الأسواني الذي اشتهر باسم ’شارع السودانيين.’ لدى حمدان مشاعر متناقضة حول الثلاثين سنة التي قضاها في مصر.
اتفاقية التكامل الحر التي تم توقيعها بين مصر والسودان سمحت للسودانيين بدخول مصر بالبطاقة الشخصية فقط دون الحاجة إلى تأشيرة. (الصورة: مراسلون | مريم عبد العزيز)
اتفاقية التكامل الحر التي تم توقيعها بين مصر والسودان سمحت للسودانيين بدخول مصر بالبطاقة الشخصية فقط دون الحاجة إلى تأشيرة. (الصورة: مراسلون | مريم عبد العزيز)

> نقطة المغادرة: ولاية الجزيرة، السودان
> نقطة الوصول: أسوان، مصر
> المسافة: 1443 كيلومتراً

 

عصمت توفيق | مراسلون 

 

”مصر هي بمثابة دولة ممر بالنسبة للكثير من الشباب السوداني الراغبين في السفر لدول أخرى في الخليج أو ليبيا بحثاً عن فرص عمل. العديد منهم يجد ضالته في مصر ويستقر فيها حتى نهاية عمره.“ بهذه الكلمات بدأ محمد حسن حمدان، 64 سنة، أقدم بائع في شارع السودانيين حديثه.

يقول حمدان إنه جاء إلى أسوان منذ ثلاثين عاما قادماً من ولاية الجزيرة في السودان، باعتبار مصر المحطة الأولى في سفره إلى أي دولة خليجية بعد ذلك. اكتشف حمدان أن مصر في منتصف الثمانينيات كانت لا تقل اقتصادياً عن دول الخليج. كانت مصر تشهد وقتها حالة من الانفتاح الاقتصادي والرواج التجاري والانتعاش السياحي، لدرجة أن العشرات من التجار السودانيين كانوا يتواجدون بكثافة ملحوظة في مدينة أسوان، خاصة في شارع هميمي الجبلاوي، الذي اشتهر بين المواطنين بعد ذلك باسم ’شارع السودانيين‘.

”كنا نعمل بنشاط كبير في بيع الساعات والنظارات الشمسية والأحذية والمنتجات السودانية الزراعية، وحققنا أرباحاً كثيرة خاصة في ظل اتفاقية التكامل الحر التي تم توقيعها بين مصر والسودان في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات. هذه الاتفاقية كانت تسمح لنا بدخول مصر بالبطاقة الشخصية فقط دون الحاجة إلى تأشيرة.“ هكذا يصف البائع السوداني محمد حسن حمدان المحطة الثانية في حياته في أسوان.

حمدان واحد من الخمسة أو الستة آلاف سوداني المقيمين في محافظة أسوان. يعمل أغلب السودانيين في بيع المنتجات السودانية والعطور والحاجيات المختلفة، كما يعمل البعض منهم في المهن اليدوية مثل إصلاح السيارات والحدادة والنجارة. أعداد السودانيين المتزايدة في أسوان دفعت الخارجية السودانية إلى إنشاء قنصلية سودانية في هذه المحافظة منذ نحو عشر سنوات بهدف حل جميع المشاكل التي يتعرض لها السودانيون العابرون لميناء السد العالي شرق أو لطريق قسطل – أشكيت البري بين مصر والسودان.

عدد السودانيين في أسوان ارتبط بحال المدينة الاقتصادي والاجتماعي. وصف حمدان تغير وضعية السودانيين عقب حرب الخليج في التسعينيات: ”بدأ الحال يتغير إلى الأسوأ: بدأ الشباب المصري بالعودة من دول الخليج إلى مصر لينضم إلى طابور البطالة الطويل، كما انحسرت معدلات السياحة القادمة إلى أسوان بسبب التوتر الأمني.“

بدأت أعداد السودانيين تتناقص بشكل واضح في تلك الفترة، وزاد الطين بلة حينما توترت العلاقات بين مصر والسودان عقب حادث محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا، وتم توجيه اتهامات بتورط سودانيين في هذه الحادثة.

تدريجياً ازدادت القيود حينما أصبح دخول السودانيين الجدد لمصر وفقاً لتأشيرات السفر بدلاً من البطاقات الشخصية، ولم يتم إعفاء سوى السودانيين الموجودين في أسوان منذ سنوات طويلة، كان حمدان أحدهم.

تزوج حمدان من سيدة مصرية في عام 1998، كما هو الحال مع الكثير من السودانيين الذين يتزوجون من مصريات عقب استقرارهم في أسوان نظراً للتوافق الكبير بين أبناء وادي النيل بمصر والسودان من حيث العادات والتقاليد. ويُعامل أبناء السودانيين المقيمين في مصر بنفس معاملة المصريين، خاصة في التعليم والخدمات الصحية، كما يحصلون على جنسية أمهم المصرية بمنتهى السهولة.

ويرى البائع السوداني أن الطريق البري الجديد قسطل - أشكيت الذي تم افتتاحه بين مصر والسودان سوف يؤدي إلى زيادة أعداد السودانيين الراغبين في المجيء إلى مصر والعكس صحيح، لأن هذا الطريق يقلل من المعاناة التي كان يتعرض لها المسافرون من مصر والسودان عبر الباخرة، التي كانت تستغرق حوالي 20 ساعة داخل بحيرة ناصر. كان السفر بالباخرة يتم مرة واحدة أسبوعياً بين البلدين ويضطر السودانيون إلى البقاء في الفنادق حتى موعد الباخرة مما يرهقهم مالياً. الطريق البري يعمل يومياً وتستغرق الرحلة بين أسوان وحلفا ست ساعات فقط.

”لو عاد بي الزمان إلى الوراء لكررت نفس التجربة وتركت بلدتي في السودان لأعيش في مصر مجدداً، ولكنني كنت سأستغل جميع الفرص التي أتيحت لي لتأمين مستقبلي ومستقبل أسرتي وأهدرتها لدرجة أنني أشعر في قرارة نفسي بالفشل الذريع فيما يخص تجربتي مع أسوان“. بهذه الكلمات التي تملأها الحسرة يقيّم محمد حسن حمدان تجربته التي استمرت لمدة 30 عاماً في أسوان.

”ما زلت حتى الآن أعيش في منزل بالإيجار، وأقوم بوضع بضاعتي على الرصيف في شارع السودانيين، رغم أنني أقدم بائع في هذا الشارع، وكانت أمامي فرص كثيرة في بداية حياتي لشراء منزل ومحل تجاري. العجيب أنه كان بحوزتي المال اللازم للشراء، وكنت أنفقه في أشياء عديمة القيمة. كان يدور في مخيلتي دائماً أن الطير المهاجر سوف يعود إلى بلدته يوماً من الأيام، ولكن يبدو أن هذا الطير سيظل مهاجراً حتى نهاية العمر.“

هذا التقرير يقع ضمن ملف:
#أناس_في_حركة: الخبرة جسد متحرك
جميع مواضيعنا متوفرة لإعادة النشر. نرجو الاتصال بنا عبر عنوان بريدنا الالكتروني عند إعادة نشر تقاريرنا، صورنا أو أفلامنا.