الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

عوامل التدهور
هل يمكن أن يجف نهر النيل؟

واكي سيمون فودو
عدد السكان الذين يعتمدون على نهر النيل في ارتفاع مستمر، لكن منسوب مياهه لم يرتفع منذ 200 سنة – هذه إذا معادلة غير مستدامة.
28.03.2019  |  جوبا، جنوب السودان
أطفال في ولاية الوحدة، جنوب السودان، 3 نوفمبر 2015.  (الصورة: النيلان | واكي سيمون فودو)
أطفال في ولاية الوحدة، جنوب السودان، 3 نوفمبر 2015. (الصورة: النيلان | واكي سيمون فودو)

يعيش جون تشول (41 عامًا) وصموئيل ميجور ماشولا (51 عامًا) في بور، وكلاهما متزوج ويعيل العديد من الأطفال. بيد أن أهم رابط بينهما هو أنهما يعتمدان على النيل لتأمين دخل منتظم: تشول مزارع، وماشولا صياد سمك. لم يبدأ أي منهما عمله بهاتين المهنتين، ولكنهما يشعران بالامتنان لأنهما غيرا مسار حياتهما ليجنيا مزايا النهر.

يقول ماشولا: "لسنا صيادين، لكن تحديات الحياة جعلتنا نغامر لصيد الأسماك سعيًا لإطعام أطفالنا".

العمل في الزراعة مربح للغاية بالنسبة لتشول الذي يعتبر النيل "نعمة" تتيح له إطعام أسرته وتعليمها وتأمين احتياجاتها. يقول تشول: "نملك قرابة عشرة هكتارات، والآن سنزيد المساحة بعد أن أصبح لدينا المال".

أما ماشولا، فإن مصدر رزقه أقل بكثير، حيث أن شباكه تعود فارغة أحيانًا. وحتى عندما يبيع ما اصطاده في السوق القريبة، فإن المردود يكاد لا يغطي الاحتياجات الأساسية لأسرته.

تجسد قصتا تشول وماشولا مصير آلاف الأشخاص الذين يعيشون ويعملون على ضفاف النيل. فمياه النهر تمثل عملة تُحوّل إلى طعام وملبس وتعليم لآلاف الأسر في دول حوض النيل. ومع أن هذا الاعتماد على النيل يشكل مصدر أمل لكثير من العائلات، فإنه قد يؤدي أيضًا إلى نضوبه إذا تواصل استنزافه إلى أقصى الحدود.

يقول خبراء المياه إن الأنشطة المشابهة لعمل تشول وماشولا، حيث النيل هو المورد الوحيد، ستتضاعف في غضون 30 إلى 50 سنة، مع نمو سكان البلد والمنطقة ككل.

مع تزايد أعداد السكان، سيزداد الاستخدام الجائر للنهر.

لم تشهد مياه النيل أي زيادة مع مرور الوقت ومستويات مياهه لم تتغير منذ 200 سنة. ويضاف هذان العاملان إلى التدهور المتوقع في كمية مياه النهر وجودتها. ومع تزايد أعداد السكان، سيزداد الاستخدام الجائر للنهر، في الزراعة والصيد والصناعة، في دول الحوض مثل جنوب السودان وإثيوبيا والسودان ومصر.

التنافس على المصدر نفسه

يقدر عدد سكان الدول الأعضاء في مبادرة حوض النيل حاليًا بنحو 505 مليون نسمة. ويقول الدكتور محسن العرباوي، أخصائي السياسات الإقليمية في المبادرة، إن هذا العدد يزيد بنسبة 2.5% سنويًا. هكذا فإجمالي عدد سكان الحوض سيتضاعف ليبلغ 500 مليون نسمة بحلول عام 2050. وهذا يعني زيادة استخدام مياه النيل مع زيادة عدد السكان.

يحتاج كل مولود جديد في حوض النيل إلى ألف متر مكعب من المياه.

ويضيف العرباوي: "يحتاج كل مولود جديد في حوض النيل إلى ألف متر مكعب من المياه لتلبية جميع متطلباته واحتياجات معيشته".

ويرجح أن يؤدي هذا النمو السكاني وزيادة الطلب على المياه إلى زيادة المنافسة على استخدام مياه النيل بين بلدان الحوض. وقد يزداد الوضع سوءًا عندما تبدأ دول أقل نموا مثل جنوب السودان في تصنيع اقتصاداتها.

يقول الدكتور ووبالم فيكادي، وهو أخصائي يعمل منذ أكثر من عشر سنوات رئيسًا لقسم التنمية الاجتماعية والاتصالات في المكتب الفني الإقليمي لشرق النيل (إنترو) واحد من أذرعة مبادرة حوض النيل: "مع تحسن مستوى المعيشة، تأتي احتياجات ت الصرف الصحي والغسيل وغيره". ويضيف: "يضغط النمو السكاني على نظام المياه، من خلال الطلب على الغذاء، الطاقة والاستخدام المدني و لصناعي. فعندما تضطر إلى إطعام مزيد من الأفواه، عليك مد مزيد من المنازل بالطاقة، وسيكون هناك توسع عمراني. ويجري الضغط على الحكومات والدول لتوفير احتياجات هذا العدد المتزايد من السكان. لذا من البديهي أن تتطلب زيادة السكان كمية أكبر من المياه بشكل مباشر أو غير مباشر".

يعتبر جنوب السودان بين دول مبادرة حوض النيل ذات البنية التحتية الأشد فقرًا، مع درجة ضعيفة جدًا من التصنيع حاليًا. ويعيش 90 في المئة على الأقل من السكان في العاصمة جوبا، ويعتمدون على النيل في الاستخدام المنزلي، وهذا على نطاق ضيق فقط، كما يقول المهندس توماس جانق، وهو مسؤول حكومي كبير في وزارة الموارد المائية والري في جنوب السودان.

ويتفق جانق مع فيكادي ، ويتوقع استخدام النيل أكثر من ذلك بكثير، في حال عاد الاستقرار إلى جنوب السودان المنكوب بصراع دام قرابة خمس سنوات. ويتوقع جانق ازدياد وتيرة التصنيع الذي سيتطلب استخدامًا كبيرًا لمياه النيل.

غير مستعدين للمستقبل

لا توجد حتى الآن استراتيجية واضحة أو تدابير وقائية تطبقها الحكومة لضمان عدم تسبب الأنشطة الاقتصادية للصيادين والمزارعين مثل ماجور وتشول بتهديدات بيئية ضارة مثل زوال الغابات وخفض إمدادات المياه.

يقول جانق مشيرًا إلى عدم تنفيذ حكومة جنوب السودان خططًا تواجه النمو السكاني: "إذا لم يكن لديك أي معلومات لا يمكنك حساب أي شيء". وتجسد إجابة جانق العديد من البرامج غير المناسبة التي وضعتها دول أخرى في مبادرة حوض النيل للتعامل مع نمو السكان.

ومع أن العرباوي، اخصائي المياه، يقول إن لدول مبادرة حوض النيل رؤية بشأن سبل مواجهة التحديات التي تؤثر على مياه النهر، إلا أنه لا يوجد إجماع أو استراتيجية واضحة بشأن سبل مواجهة تحدي النمو السكاني الذي يمكن تجنبه بوصفه عاملًا فرديًا يهدد مياه النيل.

يقول العرباوي: "ثمة رؤية، وثمة سياسة واستراتيجيات شاملة لحوض النيل برمته بشأن كيفية إدارته. لكن هذه السياسات والاستراتيجيات تفترض أنه لا توجد سيطرة إطلاقًا على النمو السكاني".

إيجاد حل جماعي

يصر العرباوي على أن "الدول إذا تعاونت أكثر خلال 30-50 سنة، فسيصبح كل شيء تحت السيطرة. على دول مبادرة حوض النيل الحد من النمو السكاني إلى رقم يمكن التحكم فيه - أي أن النمو بنسبة 2.5 كثير جدًا. ومقارنة بأوروبا وأستراليا وكثير من مناطق العالم الأخرى، يمثل هذا الرقم 2-3 أضعاف المتوسط. وينبغي للدول الأعضاء في المبادرة وضع مبادئ ونهج ومنهجيات مشتركة وتطبيقها جماعيًا".

على دول مبادرة حوض النيل الحد من النمو السكاني.

ويستشهد العرباوي بتجربة الدول الأوروبية التي تشترك في نهر الراين، الذي تلوث بعد اختيار التصنيع منذ عقود في أوروبا. فقد جلست تلك الدول واتفقت ووضعت قوانين وخططًا رئيسية تضمنت قواعد ومعايير ملزمة لجميع دول حوض الراين.

ويتفق فيكادي مع العرباوي، مضيفًا أنه لا يوجد بلد يستطيع بمفرده مواجهة التهديد المتزايد المتمثل في ضغط السكان على مياه النيل.

يقول فيكادي: "سوف يبقى النيل موردًا مشتركًا إلى الأبد. وسيؤثر تغير المناخ علينا إلى الأبد، معًا".

 

ملاحظة الصحفي:

بصفتي صحفي لم يسبق له الكتابة عن البيئة، فقد تعلمت أن الحياة مرتبطة تمامًا بالماء، وبدونه ستختفي معظم الكائنات الحية على الأرض. لقد استلهمت التفكير في ريادة مشروع يركز على المناخ، بهدف حل مشكلات كالجهل في المجتمع الذي أعيش فيه وسبل المحافظة على البيئة وحمايتها.

 

02_Population

 

هذا التقرير يقع ضمن ملف:
عندما يكون هنالك خلل في الغابة...
جميع مواضيعنا متوفرة لإعادة النشر. نرجو الاتصال بنا عبر عنوان بريدنا الالكتروني عند إعادة نشر تقاريرنا، صورنا أو أفلامنا.