المظاهرات التي اندلعت في مدن دارفور خلال الأسبوع الفائت، والتي حدثت فيها إزهاق للأرواح في مدن نيالا وكتم ورهيد البردي، أظهرت صورة أخرى من صور قمع المظاهرات السلمية في السودان، والتي لم يسلم منها حتى طلاب المدارس.
ففي مدينة نيالا خرج الطلاب في مظاهرات إحتجاجاً على الغلاء، خصوصا غلاء المواصلات التي يستعملونها للوصول الى أماكن دراستهم.
هذه التظاهرات قوبلت بإطلاق وابل من الرصاص على الطلاب العزل، حيث سقط منهم 12 شهيداً في الحال وجرح العشرات.
الحكومة كعادتها بررت قمعها لهذه التظاهرات بقولها على لسان والي جنوب دارفور، أن جماعات من الحركات المسلحة والأحزاب هي من قامت بهذه التظاهرات.
المستشار الإقتصادي لحركة العدل والمساواة السودانية بشارة سليمان نور نفى هذا الأمر خلال الحوار الذي أجري معه في موقع الحركة، في السابع من أغسطس\\آب الجاري.
”ما قاله الوالي بشأن وقوف الحركات خلف هذه الانتفاضة لا أساس له من الصحة، ولكننا ندعم أي حراك سلمي للمواطنين“
قال بشارة: ”ما قاله الوالي بشأن وقوف الحركات خلف هذه الانتفاضة لا أساس له من الصحة، ولكننا ندعم أي حراك سلمي للمواطنين... نحن قادرون على حماية أهلنا في دارفور، ونحن الآن كقوى ثورية بمقدورنا دخول أية مدينة في دارفور وواثقون من ذلك. وإذا أصر نظام الإنقاذ على تحويل حراك الشارع السوداني وثورته السلمية إلى مواجهة دموية، فمن حق المواطنين الدفاع عن أنفسهم، وسوف لن نقف مكتوفي الأيدي أمام تقتيل النظام لأفراد شعبنا.“
وقال نور عن الأحداث في مدينة كتم: ”ما حدث في كتم كان صراعا داخليا بين مليشيات الجنجاويد وعصابات جهاز الأمن والمخابرات. وبعد مقتل المعتمد دخلت المليشيات المدينة واستباحوها بحضور الوالي وقاموا بقتل احد المواطنين أمامه، فهرب الوالي من المدينة، ثم قام الجنجاويد باجتياح المعسكرات ونهبوا معسكر (كساب) احد معسكرات النازحين، وعاثوا فيه تقتيلا وتنكيلا فهرب جزء كبير من هؤلاء المساكين إلى الخلاء. أما قوات اليوناميد، فكان دورها سلبيا، ولم تستطع حتى الدفاع عن نفسها ونهب عتادها.“
من جانب آخر قالت الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق والحريات أن الأحداث المؤسفة بمعسكر (كساب) بمنطقة كتم بولاية شمال دارفور، الذي شهد حصار وقتل وضرب وتعذيب ونهب وسلب لممتلكات النازحين، خلقت واقعاً إنسانياً خطيراً يحتاج الى تدخل عاجل لإنقاذ الموقف المتدهور.
كما أكدت منظمات المجتمع المدني بمنطقة كتم مقتل 21 شخصاً وإصابة 600 مواطن.
بالرغم من المبررات التي قدمتها الحكومة في دارفور لقمع المظاهرات، هل هذا يكفي للتعامل معها بهذه القسوة؟ والى أي مدى تصر الحكومة في قمع المظاهرات السلمية ؟
خريطة دارفور، 2011. دارفور ممثلة باللون الأخضر.
قمع التظاهرات السلمية قد تولد غضباً عارماً في نفوس المتظاهرين الذين لم يتبقى أمامهم أي فرصة للتنفيث عما يعانونه من ضغوطات حياتيه. فهل تدرك الحكومة خطورة هذا المسلك أم تظل تتعامل مع المظاهرات التي تخرج بنفس القسوة ؟
من جانب آخر اتهمت هيئة محاميي دارفور من جانبها الحكومة بإثارة ما وصفتها بالأوضاع الهشة بالإقليم، مستشهدة بقمع المتظاهرين في بعض مدن الإقليم.
وقالت في بيان حصلت الجزيرة نت على نسخة منه ”إن مزاعم الحكومة بوجود مجموعات مندسة وسط المواطنين المحتجين أمر لا يسنده منطق أو تدعمه حجة تستوجب استخدام الرصاص في مواجهتهم“.
وشددت الهيئة على مشروعية وعدالة مطالب شعب الإقليم وحقه الدستوري في التعبير، وطالبت المتظاهرين بالمحافظة على الممتلكات العامة والخاصة.
ثورات الغضب قد تتفجر هنا وهناك، آخرها تلك التي إندلعت في منطقة رهيد البردي بولاية جنوب دارفور.
هذه رسالة لأصحاب العقول، لإدراك معنى قمع التظاهرات السلمية التي تطالب بتخفيف العبء عن كاهل المواطن في المناطق الطرفية. فهل يوجد من يسمع صرخات الهامش؟ سؤال موجه إلى المركز، فهل من مجيب؟