الإعلام عبر التعاون وفي التحول
Brunnenstraße 9, 10119 Berlin, Germany
mict-international.org

مشروعاتنا الأخرى
afghanistan-today.org
niqash.org
correspondents.org
English

٦\ الجندر: أدوار يجب ملؤها دائماً
"من إثارة الفتنة إلى الحكمة"

عبد الرحمن إبراهيم
كانت الحكَّامة في الماضي من أقوى الشخصيات في المجتمعات السُّودانية. البعض منهن أسأن استخدام سلطتهن، واليوم تعلّمن التكيّف مع تقاليد جديدة.
18.01.2017  |  نيالا، السودان
دهب المدينة أحمد آدم حامد. (الصورة: النيلان | عبد الرحمن إبراهيم)
دهب المدينة أحمد آدم حامد. (الصورة: النيلان | عبد الرحمن إبراهيم)

وُلدتْ دهب المدينة أحمد آدم حامد في مدينة الفاشر سنة ١٩٣٢ وعاشت حياة الحكّامة، كشاعرة شعبية يحترمها ويخافها مجتمعها. 

قد تشجع الحكامة الشباب على الجهاد، أو تلوم الجبناء، أو تذم البخلاء والطامعين. للحكامة اليوم تأثير أقل؛ والأجيال الشابة رفضت منصب الحكّامة في المجتمع، مما جعلها توصف بالمثيرة للفتنة.

 

ما هي الحكّامة في تعريفكم المحلي؟

هي المغنية، الشاعرة والإعلامية الشعبية في المجتمع المحلي. وهي تنطق بما لا ينطق به الآخرون لتصحيح المجتمع من خلال أشعارها في كثير من القضايا سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية. 

للحكّامات في الأصل دور كبير في وضع القوانين والأعراف المحلية، من خلال توظيف أشعارهن التي تتحدث عن الكرامة والشجاعة والفراسة. هذا ما جعل الحكامة جزءًا من منظومة الحكم الأهلي في مجتمعها المحلي في دارفور وبقية أنحاء السودان. 

وبسبب أهمية دورها حظيت بالكثير من الاهتمام من قبل زعماء العشائر القبلية، والمسؤولين، والمثقفين، والنقاد. تسليط الضوء على الحكامات كان من أسباب تراجعهن عن العمل في هذا الإطار. للحكامة دور في تشكيل شخصية الرجل في وسط المجتمع الدارفوري أو غيره، لأنه هو الأقرب إلى توفير الحماية للمرأة، المجتمع، مال القبيلة، عرضها وشرفها. الحكّامة تلعب دوراً في استنهاض همة الرجال وإيقاد حماستهم لخوض الحروب أو أخذ الثأر من الطرف الآخر في حال اعتداء شخص ما على القبيلة. 

 

كيف ينظر المجتمع إلى الحكّامة؟

الآن تغيرت نظرة المجتمع تماما تجاه الحكامة، ولم يعد يرى فيها المحرِّضة على الفوضى والمثيرة للمشاكل، إذ إن للحكّامة طاقة ربانية وموهبة في إجادة الحديث والكلام المُبطن وتستخدم الكنايات والألغاز من أجل الحثّ على العمل والسعي لإحلال السلام في دارفور. الحكّامات تحولن في الآونة الأخيرة بعد الهجمة الشرسة التي تعرضن لها من قبل المجتمع من "إثارة الفتنة إلى الحكمة".

لقد شكَّلَتُ حضوراً فاعلاً في كل المناسبات، بما في ذلك الجهاد والخروج للقتال في سبيل الله، ووظَّفت حكمتي في توجيه المسؤولين وحثهم على التنمية. الحكامة رقيب على سلوك المجتمع حتى المسؤولين، فهي التي تمدح وتذم مما يجعل الناس تتحاشى مواجتها لحراكها الثقافي والسياسي.

معظم الحكامات شاركن في الجهاد. أنا شخصياً شاركت في العمليات العسكرية لأكثر من مرة، ولكن الآن وهن عظمي، وتقدم بي العمر وأصبحت غير قادرة على العمل. عندما شكرت رئيس الجمهورية تصدق لي بالحج إلى بيت الله الحرام، وبعد عودتي، توقفت عن العمل ولزمت بيتي وأداء صلواتي. ولكن المجتمع لن يتركني، ودائماً ما يطلب الناس مني الحضور إلى المناسبات الهامة والأعراس للغناء أو إنشاد بعض القصائد، وقد ظللت أرفض ذلك الطلب.

 

أين يكمن دور الحكامة في المجتمع؟ 

تقوم الحكامة بنقل الفلكلور الشعبي وتتميز بالحدة في إلقاء اشعارها، مما يجعل كل المجتمع يهابها وخاصة أفراد قبيلتها، الذين يحرصون على عدم الوقوع في الأخطاء أمامها. هذا يعطيها مكانة سامية. يتودد إليها حتى كبار القوم للاقتراب منها وتحاشي إثارة سخطها لكي تتحدث بمفاخرهم التي تطلقها بكلمات شعرية رصينة تستخدم فيها كل فنون النحو والبلاغة والتشبيهات الضمنية والصور البديعة والصريحة. الحكامة هي حافظة تراث القبيلة وتاريخها وسير رجالها وأبطالها. 

 

ماذا يعني المدح والذم للحكامة؟

يعني لها الكثير، وهي أحياناً تمدح أو تهجو عند حدوث أمر جلل في المجتمع، بدر من شخص ما، دون مراعاة لشعور الآخرين. على سبيل المثال: الحكامة تكره الرجل الذي لا يحترم رجولته. الأوصاف التي على الرجل التحلي بها هي الشجاعة والكرم والجود. الحكّامة لا تحب الرجل البخيل والجبان، كما تكره أيضاً المرأة التي لا تحترم أنوثتها، فتقوم بذم المرأة التي تراها تأكل أو تشرب وسط المارّة في السوق مثلاً.

وعندما تمدح شخصاً وتصفه بالشجاعة والكرم يمكن أن ترتفع مكانته وسط مجتمعه وتكون لديه كلمة مسموعة. وعندما تهجو شخصاً وتصفه بالجبن والبخل يندب حظه، حيث أن ما تقوله عنه يقوده مباشرة إما إلى مغادرة القرية طوعاً، أو تعرضه للطرد من قبل القبيلة حتى لا يكون وصمة عار عليها. وكذلك الحال بالنسبة للمرأة التي تخطئ أو تفرط في شرفها وتكسر بخاطر أسرتها.

 

البعض يركز على دوركن السالب، ويتهمكن بتأجيج الصراعات بين المجتمعات المحلية وتطوير العدائات؟

الحكّامة سلاح ذو حدين، بإمكانها أن تلعب دوراً في إشعال الحرب، كما بإمكانها إخماد نارها والمساهمة في بسط الأمن والسلام الاجتماعي، وهنا تكمن خطورتها. هي ترى أن ما تقوم به من تحريض للقتال ليس عيباً، وإنما تحفيز وتشجيع لفرسان القبيلة بعدم الاستسلام للعدو وهذا عمل جيِّد. لكن هنالك من ينظر إلى ذلك باعتباره إثارة للمشاكل. الحكامة تلعب دوراً في توجيه الطاقات إلى العمل من أجل إحلال السلام، بعد أن كثر وصفهن بالمحرِّضات. الحكامات تحولن من تأجيج الحماسة إلى الحكمة، وقد قامت بعض الجهات بتنظيم ورش تدريبية لهن في هذا الشأن وتم تعريفهن بقضايا حقوق الإنسان وغيرها، ثم تمَّ تغير مسماهن من حكامات إلى حكيمات. 

 

كيف تعتبر الحكامة مستودعاً للتراث والثقافة القبلية؟

نعم هي التي تحافظ على تراث القبيلة، بالإضافة إلى دورها في إيصال الرسائل. وتساعد كثيراً في الأفراح، بخاصة الأعراس، حيث أن لديها دوراً بارزاً في تلطيف الأجواء والسهرات بالأهازيج والأغاني الجميلة. وهذا يدل على أن المجتمع مازال متمسكاً بالحكّامة رغم انتقاده لها. أنا متخوِّفة من اندثار التراث الشعبي والثقافي للقبائل في ظل تملص الجميع من مسؤولياته، وبخاصّة الجيل الجديد الآن في ظل التكنولوجيا، فقد أصبح يتنكر لهذا التراث، مما جعله جيلاً فاقداً للهوية ولا يعرف جذوره.

هذا التقرير يقع ضمن ملف:
#السكان: لم يُرْسَل أحد ليرى
جميع مواضيعنا متوفرة لإعادة النشر. نرجو الاتصال بنا عبر عنوان بريدنا الالكتروني عند إعادة نشر تقاريرنا، صورنا أو أفلامنا.